لم يشأ المهندس الإنجليزي هيو لوفتنغ أن يحكي لأبنائه في خطاباته عن أهوال الحرب العالمية الأولى التي كان يخوضها حينذاك، فاختلق لهم مغامرات خيالية حاول فيها الهروب بصحبتهم من واقع البشرية المرعب إلى واحات عالم الحيوان.
اقرأ أيضا:
8 سموم على القطط.. قد تسبب الوفاة في الحال
وهكذا ولد بطل الروايات والأفلام دكتور دوليتل الذي هجر مرضاه من البشر ليتعلم لغات الحيوانات من ببغائه، وليتعلم من الحيوانات الكثير عن طبيعة هذا العالم وتاريخه الحقيقي.
ما يقوله العبوس
وعلى ما يبدو فإن محبي دكتور دوليتل كبروا لينضموا إلى مسعى البشرية القديم لفهم لغة الحيوان، ومنهم فريق البحث الذي نشر أخيرا بدورية ساينتفك ريبورتس دراسة حاولوا فيها فهم مزيد من لغة القطط.
استخدم الباحثون ملاحظة استجابات ملامح القطط لدرجات الألم المختلفة، باستخدام ما يعرف باسم “مقياس العبوس”، وهو سلسلة من الصور المتتالية توضح كيف تبدو ملامح حيوان ما حين اختبار مشاعر الألم بدرجاته.
وقد بدأ تصميم هذا المقياس بالفئران أولا، لكن سرعان ما أصبحت لدى العلماء مقاييس مماثلة لحيوانات أخرى منها الأرانب والخنازير والأغنام والخيول، وقد كان من اللافت للانتباه أن تشنجات الألم تشابهت كثيرا رغم تباين الكائنات، فقد كانت الأعين تضيق والأفواه تتقلص والآذان تتوتر وتلتوي إلى الخلف.
تقول الباحثة بجامعة نوتنغهام ترينت “لورين فينكا” المختصة في سلوك الحيوان والمشاركة في الدراسة: “إحدى المشاكل التي تواجهنا هي ميلنا إلى رؤية وجوه الحيوانات وتفسير خلجاتها بعيوننا التي تتعلق خبراتها بقراءة قسمات الوجوه البشرية، غير منتبهين إلى الفروق الكبيرة بين عضلات وجوه البشر ومثيلاتها عند الحيوان”.
اللغة الخافتة
غير أن بعض الحيوانات يشكل تحديا أكبر للإنسان في إدراك ما تقوله تعبيرات وجوهها، مثل القطط على سبيل المثال، حيث تحتفظ القطط بأسرارها وقد تميل عند اختبار مشاعر الألم إلى الانسحاب بهدوء دون تعبير صاخب.
ولهذا صار من المعروف في الأوساط البحثية أن محاولة قياس التغيرات الخافتة للغاية في ملامح القطط عند الألم هي مهمة مؤلمة وصعبة في حد ذاتها.
ولعل ذلك من الأسباب التي دفعت الباحثين إلى اللجوء للذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي، كما فعل فريق البحث في هذه الدراسة التي تناولت ما يقرب من ألف صورة لوجوه القطط وللتغيرات التي تعتريها حين تنقبض عضلاتها أو تنبسط بفعل الألم الناجم عن الخضوع لعمليات جراحية مختلفة. وقد لوحظ أن الشعور بالألم يرتبط بظهور ما يلي:
- تضييق العينين.
- تهدل الأنف للأسفل قليلا باتجاه الفم، مع ملاحظة ميله البسيط إلى جهة اليسار.
- قبض الأذنين ومباعدة ما بينهما، مع ملاحظة أن انقباض الأذن اليمنى أشد، وأنها تتدلى أكثر إلى جانب الوجه.
- يبدو الفم والخدان أصغر قليلا من المعتاد، وأكثر قربا إلى الأنف وانسحابا ناحية العينين.
وبالطبع لا يزال وجود الدكتور دوليتل في عالمنا أقرب كثيرا إلى الخيال، لكن هذه الدراسة -وما سيأتي بعدها- تحمل وعدا بأن يكون لدينا يوما ما تطبيق على الهاتف -ربما يحمل اسم دوليتل- يمسح صورة وجه قطك ليخبرك بحقيقة مشاعره، وربما بما هو أكثر!
فقط حتى يأتي هذا اليوم ندعو الجميع إلى التمهل قليلا قبل الرثاء لكل تلك القطط الباكية التي أغرقت دموعها مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى الاستماع إلى النصيحة القديمة الحكيمة لأبي الطيب المتنبي إذ يقول:
إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً * فلا تظنَّنَ أن الليثَ يبتسمُ.